لماذا التركيز على شرف البنت دون شرف الابن ؟
وأيهما أهم
شرف البنت أو الولد ؟
سؤال حساس ومهم
ولا يفكر الولد إن شرفه يقل أهميه عن شرف البنت
بل هم سواسية
من المفاهيم المغلوطة الشائعة التي لا تستند على دليل قرآنيّ ولا على حكم
شرعيّ ولا على قيمة اسلامية ، بل هي تتناقض مع المفاهيم الاسلامية ، هو
التركيز على (شرف البنت) دون (شرف الابن) .
فالشرف واحد ، شرف البنت كشرف الابن ، وشرف الشاب كشرف الفتاة ، ولا ميزة
للذكور في ذلك على الإناث ، وأي منتهك لحرمة شرفه ـ رجلاً كان أو إمرأة ـ
مدان ومحاسب ، فإذا أهدرت الفتاة شرفها ، وأساءت لسمعتها ، وانحدرت في
المباذل الرخيصة ، فإنّها تكون مساوية في التردّي الأخلاقي لذاك الشاب
الذي ينغمس في الفواحش والمجون ويسكن المواخير والملاهي وبيوت الدعارة .
هي نظرة جاهلية لا تزال تعشش في عقول وأذهان الكثير من المسلمين ، أي أنّ
رواسب الجاهلية التي كانت تئد البنات مخافة أن يتلوّث شرف القبيلة إن هي
هزمت وسبيت نساؤها واعتدي على شرفهنّ ، ما زالت قائمة إلى اليوم .
فالنظرة العشائرية القبلية تعتبر الإساءة إلى شرف البنت إساءةً إلى شرف
العشيرة أو القبيلة كلّها ، ولذا ـ فمن وجهة نظر عشائرية جاهلية ـ لا بدّ
من (غسل العار) بقتل الفتاة التي استهانت بشرفها ، وبالتالي بشرف قبيلتها
، أو دفنها وهي حيّة ، أي وأدها تماماً كما كان يفعل الجاهليون مع الفرق
في أنّ الأب في الجاهلية كان يئد ابنته وهي بعد طفلة صغيرة لا تعي من
الحياة شيئاً ، والأب في الفهم العشائري للشرف يئد ابنته وهي في ريعان
صباها وشبابها .
ولا بدّ من الالتفات إلى أنّ الفارق الوحيد بين الفتاة والشاب في مسألة الشرف ، هو فارق في النتيجة الظاهرة ، أي في الحمل .
أمّا ما عدا ذلك فالشاب مرتكب الفاحشة والمستجيبة له بإرادتها كلاهما على درجة سواء فيما يتحمّلان من وزر عملهما المشين .
اُنظروا إلى التسوية في العقوبة الإلهية النازلة بالزاني وبالزانية :
(الزانية والزاني فاجلدوا كلّ واحد منهما مائة جلدة )(1) ، فالقرآن لا
يميِّز في عقوبة الزنا تمييزاً جنسياً ، بل يوقع العقوبة على كلّ من
مرتكبَي الفحشاء ويحمّل الطرفين المسؤولية فيها ، ولم يسقط أو يخفف
العقوبة عن أحدهما تحيّزاً أو محاباة .
فشرف الرجل أو الشاب هنا قد انتهك وسقط وتمرّغ بالوحل بممارسة الزنا ،
مثلما سقط شرف الفتاة وانتهك وتمرّغ بالوحل ، ولكنّ المجتمع الذكوري الذي
تقدّم ويفضّل الذكر على الأنثى يتخذ موقفاً أشد من موقف الشريعة ، فهو
يجلد المرأة أو الفتاة المرتكبة للفحشاء وحدها بسياطه ، ويلقي باللوم
والتبعة والمسؤولية على الفتاة أو المرأة دون الشاب أو الرجل .
أمّا القول بأنّ شرف الفتاة من شرف أسرتها أو قبيلتها ، وإنّه إذا تعرّض
إلى الأذى فكأ نّما تعرّضت الأسرة والعشيرة كلّها للنيل من شرفها ، مفهوم
غير إسلامي ولا يقرّه القرآن البتة . فالله تعالى يقول : (ولا تزِرُ وازرة
وزر أخرى )(2) أي لا يصحّ أن يؤخذ البريء بجريرة المسيء ، ولذا فما ذنب
الأب أو الاُم إذا كانت البنت لم تحفظ شرفها وسمعتها ولوثتهما بالفاحشة ؟
إنّها وحدها التي تتحمّل ما جنته يداها من سوء وإثم ، ولا يتحمّل أهلها
إثم ما فعلت إلاّ بقدر ما يساهمون في دفعها إلى ذلك . وإذا رجعنا مرة أخرى
للعقوبة الإلهية المنزلة بالزانية والزاني ، فإنّنا لا نجد أيّ أثر لعقوبة
ثالثة تنزل أو تترتب على المتعلقين بهما من ذويهما أو أهلهما سواء الأبوين
أو الأقرباء أو العشيرة .
ومرّة أخرى نقول : إنّ النظر إلى مسألة الشرف هي نظرة اجتماعية أكثر منها
نظرة إسلامية ، فمن الأمثلة الدارجة في مجتمعاتنا الشرقية قول بعضهم :
«إنّ شرف البنت كعود الكبريت» يريدون بذلك أنّها إذا أباحت جسدها ـ في غير
الطريق الشرعيّ ـ فإنّها تكون قد انتهت كإنسانة شريفة وعفيفة ، حتى أنّ
قسوة بعض المجتمعات تصل إلى درجة أنّها لا تسامح حتى الفتاة أو المرأة
(المغتصبة) علماً أنّها لم تقدم على العمل المشين طائعة مختارة ، وإنّما
مورس معها تحت الضغط والعنف والإكراه .
ولا ينبغي التقليل من تأثير ذلك على سمعة الفتاة وكرامتها وصحّتها النفسية
وعلاقاتها الاجتماعية ، سواء في نظرة الجنس الآخر لها ، أو حتى في ابتعاد
بنات جنسها عنها . ولعلّ فيما يعرضه القرآن الكريم من قلق مريم (عليها
السلام) وخوفها من اتهام قومها لها حينما حملت بعيسى (عليه السلام) وهي
الطاهرة العفيفة النجيبة يدلّل على مدى حسّاسية هذا الأمر (يا ليتني متّ
قبل هذا وكنت نسياً منسيّاً )(3) .
إنّ شرف البنت حسّاس ، لكنّ شرف الابن حسّاس أيضاً ، وقد لا يكون كعود
الكبريت ، لكن ارتياد الأماكن الموبوءة ، ومعاشرة العاهرات والمتخذات
أخداناً ، يجب أن يجعل من نظرة المجتمع إليه أن تكون من خلال شرفه أيضاً ،
لا من خلال رجولته أو ذكورته أو فحولته ، وهذا ما تتناساه الكثير من
المجتمعات الذكورية ذات النظرة المجاملة والمنحازة للرجل حتى ولو أهدر
دماء شرفه .